أعرف نفسي كشخص ميّال على الدوام للتخفف من العالم، لا أملك مكتبة عُظمى وأترك الكتاب لعابر آخر بعد الانتهاء منه، كل ما أملكه دفاتر مُلاحظات صغيرة من أثر ما أقرأه، أملك قائمة بالموسيقى التي أعجبتني، امتلاك أغنية جديدة تنضم لمفضلاتي هو حدث أُحبه، أملك بعض أغان مُفضلة يُمكن بتشغيلها تباعًا، أن أحيا في ذكريات شتى وأستعيد شخوص كثُر وأتقمص أحوال لا تُحصى.. غرفتي قليلة الأثاث، السعة فيها في مشهدها لا في أثاثها، أحُب إعداد الطعام وتحويل الحُب من صيغة روحانية لمادة شهية رغم أني لا آكل كثيرًا. لا أملك طموحًا كافيًا لغزو العالم، لإعداد أسرة، و لا أملك نصائح كافية -حتى الآن- لوليد جديد قد يأتي لمأزق وجود لا زلت أفك أحجياته، لكنّي أملك طموحًا للنجاة والانتماء لجمال عابر.. الكتابة في ذاتها لدي، هي عملية التلصُص في خضم مشهد ثقيل على الجمال واللُطف المخبوء، وإعادة سرد المُعتاد بعين الدهشة الطازجة.. أملك مُسالمة هابيل تجاه عالم يمد يده بالسوء ورغبة فؤاد حداد الأصيلة في إنقاذ قلبه بقوله “الناس بتاكل بعض، مش واكل!” أكره أحوال الثقل، المعدة المُمتلئة والحقد والكراهية وتكديس الأشياء. أُحب أحوال الخفة ورائحة ما بعد المطر، والإشارات التي تٌخبرني بوجود الله كلما شككت. أحب الشفقة أكثر من الوعظ، والتعاطف أكثر من الحُكم ، وأحُب المسيح الذي نجا بقلبه من عبء كراهية أعداؤه وإن هلك.. أخجل في تخففي المُفرط أنني -على كل ما سبق- بلا حكاية، لكن في قلبي براح لا يضيق ليسع حكايات الآخرين، و بقدر ما أضمّ كل ما أحُب في حقيبة لطيفة على الظهر وقت الرحيل، أبذل اللُطف في قلوب شتى، و أبعثر ورودي في سجية مُحب قد يتذكرني يومًا، يتذكر مُسالم لم يزل -على خوفه المُفرط من المشهد- يُرشد رفاقه للجمال واللُطف المخبوء فيه.