نرث من آبائنا وأمهاتنا

الكثير ولا ندرك ذلك

الا بعد حين..

كان أبي يستيقظ باكراً

يقطع الصباح بصمت محسوب

يصنع قهوته لنفسه

و من بين كل فناجين بيتنا الواسع

كان يحب فنجان صغير أبيض

ذو نقوش لا تحمل جمال استثنائي

ربما كان كل ما يجعله مميز

هو أن أبي كان يختاره كل صباح

بلا تفكير وبألفة هادئة تماماً كما كان.

أتذكر أنني وقتها كنت طفلة

كثيرة الكلام والحكايات.

الآن انا مازلت طفلة

ولكن بأقل حكايات

وحتماً أقل كلام.

كنت في تلك الصباحات

أحاول دوماً أن أكسر روتينه

أن أعيد ترتيب صمته الدافئ

الذي يأكل غرفة معيشتنا

كنت أسأل "قاعد ساكت ليه؟"

وكان يرد هو كعادته

بنصف ضحكة

خلف كل جملة قائلا:

"بفكر يومي هيمشي ازاي"

تلك الاجابة لم ترضيني ابداً

او لم افهمها وقتها.

خسرت أبي منذ أكثر من ١٠ سنوات

ورغم أني أحاول دائماً أن أتذكر تواريخ الفقد

إلا أن أمي هي التي تتذكر جميع التواريخ

لا تحتاج للتنبيه ولا التسجيل،

تتذكر تواريخ عائلتنا

المهمة وغير المهمة.

قبل عدة أعوام

كنت أنا وأمي في غرفة معيشتنا

التي يتخللها النور دوماً.

كانت أمي تحاول أن تتذكر

ماذا يمثل تاريخ اليوم

كانت علي اقتناع وقتها

أنه عيد ميلاد احدهم

سألتني أمي

ولكن لم استجب

قالت "قاعدة ساكته ليه؟"

جاوبتها بلا تردد

"بفكر يومي هيمشي ازاي"

نرث من آبائنا وأمهاتنا

الكثير ولا ندرك ذلك

الا بعد حين.